في غياب خلف بن هذال
منذ عدة سنوات توقف الشاعر القدير خلف بن هذال العتيبي عن إلقاء قصيدته السنوية في مهرجان الجنادرية، والتي كانت واحدة من أهم علامات المهرجان ليصبح المجال مفتوحا لنخبة من الشعراء المبدعين، منهم مساعد الرشيدي رحمه الله، وزميلنا العكاظي عبدالله عبيان اليامي حتى وصلت الراية إلى الشاعر المقاتل مشعل الحارثي، وقد كان كل واحد منهم أهلا لتصدر هذا المنبر الشعري الفخم، ولكن بقيت الطاقة الحماسية الهادرة التي كان يتركها خلف بن هذال في أرجاء المكان مختلفة تماما وحاضرة أبدا في الأذهان.
قد تكون الميزة الأساسية لخلف بن هذال أنه شاعر ذكي جدا ويجيد تحديد أهدافه قبل أن يصعد المنبر، فهو يعي بحكم الخبرة أن قصيدته المنبرية يجب أن تكون فضاءاتها ثلاثية الأبعاد، بحيث تراعي الرأي أو الموقف الذي تتبناه قيادة الدولة، وكذلك الموقف الذي يطرب أسماع الجمهور العريض من حوله ويتناغم مع مشاعرهم، ثم الموقف الذي يتبناه هو عن قناعة راسخة ويستطيع أن يدافع عنه ويفخر به في كل وقت وزمان، وبعد أن يسيطر على هذا الاتجاه الثلاثي الصعب يدخل المعركة الأهم وهي معركة الإمتاع والصورة الشعرية البديعة والألعاب اللغوية الجذابة والمزاوجة الرشيقة والخالية من الافتعال بين الفصيح والعامية والتصاعد الهارموني للقصيدة التي عادة ما تبدأ بحمد الله على نعمه ثم الاعتزاز بالوطن ومدح الملك وولي العهد قبل الدخول في أكثر من موضوع شائك بصورة تخالها عفوية جدا رغم أنها صنعت بتعقيد شديد، يفعل خلف بن هذال كل شيء في قصيدته: يمدح.. يفخر.. يحلل الواقع الإقليمي.. يتهكم.. يسخر.. يستعرض مهاراته الشعرية.. يحاول استخلاص الحكمة من الأحداث.. يداعب رغبات الجمهور.. وهذه قدرة عجيبة لا يستطيع أن يقوم بها كل شاعر، وهو بالطبع لا يكتفي بكل هذا الثراء الشعري في قصيدته بل يحرص شديد الحرص أن يخرجها إلى الملأ بإلقاء حماسي مثير وعجيب لا يخلو من المهارة، حيث يعطي كل بيت بل كل شطر إطاره الصوتي المناسب.
لا يوجد تعليقات